الجمعة، 28 يونيو 2013

تعفن الديانة 2: الزرادشتية

لعل خير ما نقوم به الآن، أن نتابع تطور ديانة أو اثنتين من تلك الديانات التي تعفنت فنفهم ما عُني بهذه الأسطر السوابق. وخير مثالاً نبدأ به يكون الزرادشتية-أو المجوسية-فهي ديانة قديمة تعفنت، وهرب معظم أتباعها منها، حتى أنه في عصرنا نكاد نجزم بأنه لا يوجد كيان لزرادشتيون معاصرون.

ولد النبي زرادشت في أذريبيجان بـ حوالي ستمائة عام قبل الميلاد، ولم يكن انتصاراً لدعوته إلا بعد أن هاجر لـ بلخ حيث آمن به هنالك الملك وحاشيته، فأخذوا على عواتقهم مهمة نشر الدين، حاربوا وسفكوا الدماء حتى صار دينه ديناً رسميا لإيران. في تلك الآونة كان الوحي قد أتمّ له كتابه المقدس افستا والذي ينطبق في تعاليمه والإسلام من حيث القدر والبعث والصراط المستقيم، وعلاقة العبد بربه، وحتى في وصف زرادشت لنفسه بـ " أنه رسول الله بعثه ليزيل ما علق بالدين من الضلال، وليهدي إلى الحق".



النبي زرادشت
لكن تعاليمه القويمة لم تصمد أمام نحت الزمان، فنالتها الأيدي العابثة لتُحرف ما فيها من نصوص، وجاء من كل حدب وصوب إماماً للناس ينسّخ آيات زرادشت بحُجَجٍ مختلفة، مثل دعوة ماني الرهبانية-ربما تأثر بالمسيحية-، ودعوة مزدك (1) الاشتراكية التي بلغت حد مشاركة الزوجات.

ولعل الأمر امتد لأكثر من ذلك، حين كَثًرَ الجهل بين الناس وشغلهم الاهتمام بمظاهر الدين، فقهرهم الحرص على اتباع النصوص الدينية التي كانت مكتوبة بلغة فارسية قديمة لم يفهمها معظم المجوس في ذلك العصر، لكنهم أصّروا على اقتناء كتب الشروح ونفذوا ما فيها بحرفيته، وبالغوا في الاعتقاد بوجود إلهين (2)، و تحولوا من مجرد تقدير قيمة النار إلى تقديسها ثم عبادتها-لذلك يبلغ الظن عند معظم الناس أن المجوس هم عبدة النار-، وعَظُمَ سلطان رجال الدين فغلبوا على الحكم غلبتهم، وما ان تقهقر سلطان النظام الحاكم على القلوب حتى سقط الفرس غنيمة يسيرة في أيدي العرب لما هُزموا على أيديهم في موقعة القادسية، وكما أبنّا أن الضامن الوحيد لبقاء الأديان المتعفنة هو سلطة تكره الناس، لذا-وقد أُهلكت هذه السلطة- هرب المجوس من تلك الديانة المتعفنة إلى الدين الجديد!، صحيح أن بعضهم أبقى على دينه، لكن ذلك لم يكن إيماناً بقدر ما كان تعصباً عرقياً.
                                                                                          
(1) لـ مزدك كتاباً يسمى زند، لذا سُمّي أتباعه بـ زندي كاي ثم عُربت الكلمة لـ زنديق، وبعد ذلك حورها العرب لتشمل كل ملحد.
(2) حيث بالغوا في توصيف الجانب المظلم من الكون بصفة الألوهية وبرروا ذلك بآية "إن الذي ينظر نظرة الوعيد غير الذي ينظر نظرة الرحمة" من كتاب "الأفستا".


        يُتبع ...  

                 تعفن الديانة 3: المسيحية .
                     تعفن الإسلام .


ملحوظة: في السياق تعرضت لبعض الأحداث التاريخية التي وصلتنا عبر نصوص دينية أو مقدسة، فآثرت الإبقاء عليها كما هي دون التعرض لمدى صحتها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخبرني عن رأيك...