الاثنين، 6 يناير 2014

الاعجاز المشهود فى بدء تكون المولود (ب)




﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ﴾
[سورة المؤمنون الآية: 12- 14]

النطفة القليل من الماء، والنُّطفة الماء القليل يبقى في الدَّلْو-لسان العرب-وذاك معناها الأصلي، الذي تجدد، فصارت تدُلُ على ماء الرجل كما نلحظ من قول الشاعر: "نُطْفَـةً ما مُنِيتُ يَـوْمَ مُنِيتُ...أُمرَتْ أَمْرَها وَفـيْهَا وُبِيتُ"(1)، ووردت الكلمة بمعان أخرى مثل النهر والبحر مما لا يسعنا ذكره.

إذن فالنطفة لا علاقة لها بالحيوان المنوي حسبما أفتى مشايخ الإعجاز الأجلاء، بل هي ماء الرجل فحسب، فهل هذا هو الإعجاز؟، إنسان الغاب كان يعرف أن النطفة-ماء الرجل- هي أولى مراحل تكون الجنين، ثم أننا لو فرضنا جدلاً أن النُطفة تحمل معنى الحيوان المنوي، فالأولى إذن أن نمنح العرب لقب الإعجاز لأن النطفة جاءت في أشعارهم من قبل الإسلام.

العلكة الممضوغة طبيعياً (أي 
المضغة) لا تظهر بها آثار الأسنان
العَلَقُ الدم، ما كان وقيل:هو الدم الجامد الغليظ، والقطعة منه عَلَقة، والعَلَقُ: دود أَسود في الماء معروف، الواحدة عَلَقةٌ-لسان العرب-. نحن إذن أمام معنيين لا ثالث لهما، إما الدم وإما دودة العلق، والقول بأن العلقة تعني الشئ المعلق، لا وجود له في معاجم اللغة، والآن نتساءل-دون تفنيد علمي لصحة الوصف-، هل هو وصف إعجازي؟ الجواب نجده لدى النساء فهن يعرفن جيداً أن السقط المبكر يكون على شاكلة خثرة الدم، وفي أي مجتمع بدوي تكون مثل تلك المعلومات رائجة.

مَضَغَ الطعام يَمْضَغُه مَضْغاً، والمُضْغَةُ قطعة لحم، وقد تكون المُضْغَةُ من غير اللحم-العباب الزاخر-.

هناك إدعاء زائف بالشبه بين المشيمة والعلكة الملوكة كما بالصورة-التي تزخر بها مقالات الإعجازيين-، ودون توقف أمام مدى دقة الوصف، هل هذه العلكة بالصورة تشبه العلكة الممضوغة عادة؟!، أم أنها ممضوغه خصيصاً حتى تتوافق وذلك المظهر الترسيمي؟!! ...

الحقيقة أن المرأة حين تجهض حملها بالثلث الثاني(2) من الحمل يكون لحما متفسخا، فهو كمضغة اللحم تماماً، وهذه المعلومة ليست سراً مطلقاً، فالقرآن يحكي هذا الخبر كما يحكي تتابع الليل والنهار واستواء الأرض، وهي أمور تدل على عظمة الخالق، لكنها لا تحمل دليلاً على اعجازية القرآن.

العظام معروفة، والمعنى الظاهر لـ كسونا العظام لحماً هو أن الجنين يكون عظاماً قاسية تُكسى باللحم تدريجياً، وفي هذا الوصف شبهه علمية بيّنه، فما من عظام تسبق اللحم قط(3)، وإن إفترى البعض بأن العظام هنا مقصدها الغضاريف- الغضاريف لينه والعظام صلبة، فأين الشبه؟-، فلا توجد مرحلة يكون الجنين فيها غضروفياً بحتاً كذلك.

الحل إذن في المجاز، فالتعبير القرآني مجازياً يحمل بين طياتة دلالات شتى، غايتها الأساسية روحية وإيمانية، والعاقل لا يطلب من القرأن وصوفات علمية دقيقة، فهو كتاب دين وليس كتاب علم.
_______________________________________________________
(1)السموءل اليهودي، من شعراء الجاهلية، ومعنى وبيت: خلقت.
(2)بالرابط صورة لسقط في شهره الثالث
(3)راجع  مراحل كارنيجي، Carnegie Stages

 ،

جالينوس Galen، ومن قبله أساتذته يرأسهم أبقراط Hippocrates، قد بحثوا مدققين في مراحل تكون الجنين، لكن الحق أن إنجازاتهم العلمية لم تكن ناجحة فأغلب علمهم بالأجنة كان تنظيرياً يقوم على الملاحظة والإفتراض لا التجريب، فيما عدا ما شاهدوه من سقط النساء، فكان هذا مسلكهم في التعرف على ما يدور بداخل الرحم، فالنطفة مثلا تدخل الرحم، وتسقط بعد ذلك دما، إذن لا بد أن المرحلة المتوسطة التي لا يمكن مشاهدتها هي التحول من مني الرجل إلى الدم برعاية الرحم ودم المرأة وربما ماؤها وهكذا دواليك، ومما أقرّه جالينوس في كتابه "on semen":
"Thus it caused flesh to grow on and around all the bones"(1)

وهناك إتفاق حول نمو اللحم على العظم فيما بين جالينوس وأبقراط وحتى أرسطو، بل وأطباء اليونان أجمعين،وقد استمر هذا الإتفاق قرونا طويلة، بل وانتشر في أرجاء العالم كله،(2) ناهيك عن التوافق البين بين أغلب مراحل التطور القرآنية واليونانية، بيت القصيد أن جالينوس وغيره قد شرعوا يفندون في علم الأجنة من قبل الإسلام-جالينوس عاش في القرن الثالث الميلادي-وذاك غير الشائع بين جمهور الإعجاز ومشايخهم فالظن عندهم أن مبدأ علم الأجنة كان في القرآن، وأن القرآن قد صحّح مسار هذا العلم مبكراً منذ أربعة عشر قرناً، بيد أن التاريخ يشير لأن ما في القرآن هو توثيق للعلم البشري آنذاك وحسب.

"قد كوَّنتني يداك وصنعتاني بجُمْلتي، والآن التفتَّ إليَّ لتسحقني! اذكر أنك جبلتني من طين، أترجعني بعد إلى التراب؟ ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن؟ كسوتني جلداً ولحماً، فنسجتني بعظام وعصب." - سفر أيوب 10/8-13، العهد القديم-.

هكذا وصف العهد القديم مراحل الخلق، فالبداية طيناً والنهاية تراباً، وثان المراحل يُصب الإنسان كاللبن ويتخثر كالجبن وهو تعبير مجازي عن الدم والدم المتخثر، ثم الجلد واللحم ومن بعدها العظام، وعلى ما يبدوا أن ظاهر النص لا يحدد أي المراحل أولا، الجلد أم اللحم أم العظم أم العصب، لكنه ذكر أن تلك هي المراحل المتوالية لتكوين الجنين، لينجلي أمامنا الشبه العظيم في المعنى بين العهد القديم والقرآن-الخلاف الوحيد في حلاوة وروعة التعبير القرآني، لا في دقته!- وذاك أيضاً خلاف المترسخ في الأذهان من أن القرآن قد صوب الخطأ التوراتي، فكلاهما مُخطئ، أو بالأحرى مجازياً يُعبر عن معرفة أهل زمانه، وكلاهما غير مطالب بأن يورد تحليلات علمية دقيقة، فهذه مهمة الكتب العلمية، لا كتب الدين.


البويضة لم يرد لها ذكر في نصوص القرآن مطلقاً، كأنما الجنين يتولد من مني الرجل وفقط، لكن صحيح مسلم قد نقل لنا قولاً عن النبي يشير إلى أن شيئا يمتزج بماء الرجل لينتج الجنين، ونصه: "ماء الرجل أبيض وماء المرأة أصفر، فإذا اجتمعا فعلا مني الرجل مني المرأة أذكرا بإذن الله، وإذا علا مني المرأة مني الرجل أنثا بإذن الله"،(3) فحمداً لله !

ماء المرأة، أو السائل المهبلي، ينتهي دوره في عملية الجماع، ولا دخل له بتوليد الجنين، فكيف يؤثر في الشبه-بحسب الحديث-!، مما يرجح إحتمالاً من اثنين، إما أن الحديث موضوع على النبي-صلى الله عليه وسلم-برغم صحة سنده-، وقد إعتمد الواضع على الثقافة العامة آنذاك(4)، أو أن النبي-صلى الله عليه وسلم-قد ردد معلومات خاطئة مترسبه لدى أهل زمانه-وحاشاه-.

وقد روي الحديث ذاته بشكل مختلف في البخاري وأحمد والنسائي، حيث يدخل يهودياً على النبي صلى الله عليه وسلم يختبر نبوته، فيسأله عن الشبه، فيجيب النبي بما سبق، وفي رواية ثالثة عرضها صحيح أحمد، يبدر النبي جماعة من اليهود بهذه المعلومة، فيؤكدوا له كلامه بأنه مماثلاً للتوراة. وفي هاتين الروايتين دلالة فحواها أن قضية الشبه هذه كانت معلومة لدى اليهود، فإن أتى بها الإسلام-بفرض صحتها-فلا إعجاز كذلك.
________________________________________________
(1)أون سيمين لـ جالينوس، طبعة يونانية-مرفقة بترجمة إنجليزية-، الفصلI:9:1-10، صفحات 92-95, 101، والكتاب يحمل توصيف جالينوس لمراحل نمو الجنين، وهناك مجلدات أخرى لأبقراط وغيره، تنقل إلينا ما اعتقده اليونان حول الجنين.
(2)حتى أن اسحق بن حنين العبادي -وهو طبيب مسيحي عربي اشتهر أيام الخلافة العباسية- قد أقر نشوء العظام قبل اللحم في إحدى رسائله، وهو قد تعلم الطب في مدرسة جنديسابور الفارسية، مما يُعطي مؤشراً لأن أطباء العالم كلهم قد اعتقدوا بنشوء العظام أولاً.
(3)هذا روايته عن ثوبان وهناك رواية أخرى في مسلم عن عائشة.
(4)وهذا من قبيل التصحيح بالمتن الذي سنفرد له تدوينة خاصة فيما بعد بإذن الله.



       يُتبع




هناك تعليق واحد:

  1. العديد ممن تحدثوا عن مراحل الجنين قبل محمد بميئاة السنين ولم يدعو النبوة...

    ردحذف

اخبرني عن رأيك...