الاثنين، 6 يناير 2014

الاعجاز المشهود فى بدء تكون المولود (ج)

"إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا"-الإنسان-2-.

نعود مجددا لقضية البويضة التي تجنبها ظاهر النص من القرآن، فجماعة الإعجازيين أفتوا بأن النطفة الأمشاج هي البويضة الملقحة. الأمشاج لغوياً أي الأخلاط، من أصل خلط إختلط خليط أخلاط، ونجد المعاجم تحددها على انها إختلاط السوائل، ناهيك عن إجماع كتب التفسير على أن النطفة الأمشاج هي خليط ماء الرجل وماء المرأة، كما نُقل عن ابن عباس تفسيره للأمشاج على أنها ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا،(1) وقد أبنا فساد ذلك القول الذي يعبر عن معرفة سطحية لا دقة فيها.

ولو فرضنا-جدلاً-أن المقصود بالأمشاج إختلاط الحيوان المنوي بالبويضة، فلا زال هناك قصور من وجهين أنه لم يذكر البويضة برغم أهميتها-والإعجازيون يرددون أن الوصف القرآني بالغ الدقة-وأن الحيوان المنوي يتلاحم بالبويضة لا يختلط بها فحسب، وقد طال بنا البحث عسى أن نجد من معاني الأمشاج ما يدل على إلتحام الأجسام فلم نجد، بل إن معناها مقصور على اختلاط السوائل لا الأجسام حتى!.


"خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ، يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ"-سورة الطارق-6،7-.

الصلب هو عظم في الظهر ذو فقار يمتد من الكاهل الى العجب او اسفل الظهر(المنجد في اللغة و الاعلام)، والترائب جمع تريبة وهي عظام الصدر، وهي موضع القلادة من صدر المرأة(الصحاح). وقد اتفق المفسرون وعلى رأسهم القرطبي وابن كثير والطبري أن الآية تُشير لخروج ماء الرجل من ظهره وماء المرأة من صدرها أو ثديها.

السائل المنوي ينشأ في البروستاتا-غده اسفل مثانة البول-والحيوانات المنوية تنشأ في الخصية، أما ماء المرأة فلا ماء لها في تكوين الجنين، ولو قلنا جدلاً أنها البويضة، فالبويضة تنشأ في المبيض ولا علاقة لها بالصدر أو عظامه، ومن يبحث في العهد القديم أو رسائل أبقراط، يعرف من أين جاءت هذه الزلة العلمية.


الإلقاء باللوم كاملاً على عاتق هيئة الاعجاز العلمي خطأ شائع بين منتقدي الاعجاز، فالواقع يكشف عن وجود إيمان عميق بالاعجاز العلمي بين صفوف المسلمين جميعٍ إلا من رحم ربي، وليس الأمر قصرا على الجماعات السلفية والوهابية التي تقوم هيئة الإعجاز على أكتافها، فالأزهريون-كمثال-يعتقدون به، وعلى رأسهم الشيخ الشعراوي-رحمة الله عليه-فقد كان يبثه خلال تفسيراته للقرآن، حتى طُبع له بعد وفاته مجلدات بذلك الخصوص، وكذلك التنويريون منهم من يعتنق الإعجاز ويرى التسليم به ضرورة، على رأسهم الدكتور مصطفى محمود-رحمه الله-، الذي حُمِلَت مقالاته بالإعجاز، وتفنن في طرح أشكالاً متعددة له، وغيرهم الكثير من فرق الإسلام الدعوية، حتى صار الأمر مُسلَّماً به لدى عوام المسلمين أيا كان نهجهم، يظنون أن ذلك الإعجاز هو رسالة الرب لهم أنهم على الحق المبين، فهو الصخرة التي تتفتت عليها أمواج العلم الحديث.

"الله يعرف أن الناس في عصرنا سينشغلون بالعلم عن الدين، فأرسل لهم سهم الإعجاز العلمي منذ أربعة عشر قرناً ليحبط أعمالهم وليردهم إلى الدين"، هكذا عبّر مدوناً مسلماً عن سر إعتقاده بالإعجاز، ولقد أجمل كثيراً دون أن يقصد، فما الإعجاز إلا خرافة عصرية تتناسب وعصر العلم، خرافة يتمسك بها المسلمون خيفة أن تلهيهم صيحات العلم الصاخبة عن التدين. وخطر ذلك على الدين عظيم كما أبنا، والأولى بالمتدينيين عموماً، والمسلمين خصوصاً أن يتخذوا العلم رفيقا لا عدواً، فليكن العلم وسيلتهم في التدقيق وراء خرافات الماضي المتعفنة في سرداب التدين.

_____________________________________________
(1)نُقل كذلك عن عكرمة ومجاهد والحسن البصري والربيع أقوالاً مماثلة.


(2)                                       (3)
___________________________________________
(1) حوار مع صديقي الملحد الكتاب الأكثر رواجاً للدكتور مصطفى محمود، يتحدث في فصله السادس عشر عن المعجزة الرقمية في القرآن، وما هي إلا استنساخاً جديدا للمعجزة العلمية، فلا تحد ولا سلامة من المعارضة، ناهيك عن ميوعة الفكرة أصلاً، رابط للمطالعة
(2)كتاب تربية دينية، مصر، تأليف الشيخ الشعراوي، يتعرض فيه للإعجاز العلمي، فلا عجب أن القاعدة لدى عوام المسلمين أن الإعجاز ركناً إيمانياً، رابط للمطالعة


تنويه: لم نستطرد طويلاً وراء كشف حجج الإعجازيين الواهنة، ولا وراء مشابهة التوراة والقرآن لعلم الأجنة اليوناني، ولا وراء التناقضات البينة بين العلم التجريبي-عامة وعلم الأجنة خاصة- والقرآن، ولا وراء النماذج المختلفة من التيارات الإسلامية التي تعتقد بالإعجاز العلمي، لا لقلة الأدلة عموماً بل لكفايتها، وهناك الكثير من الأدلة لم نذكرها-أو اكتفينا بالاشارة لها-لضيق المساحة.


      إنتهى




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخبرني عن رأيك...