الأحد، 19 يونيو 2016

ثمة رسالة اخرى





بما انك كتبتي وانت تحت تاثير بعض الادوية، ف انا هكتب وانا مش نايم كويس... عشان المحتويات تبقى متناسقه مع بعض.

معاكي حق يا هاجر، الانسانية اغلى من الايمان. والحاضر اغلى من المستقبل. والمصيبه اننا مهما حققنا آمال في المستقبل مش هنرضى برده. هنيجي في اللحظة اللي يتحققلنا فيها حلمنا ونحتقر الحلم ونتهكم عليه. ونندم. ده لو الحلم اتحقق اصلا.
العالم مش بس مش منطقي، لا ده المنطق نفسه مش منطقي: يعني احنا لا نملك تاكيد ان المنطق نفسه سليم... احنا في الاول والاخر بنكشف عليه بعقولنا. ف مفيش مجال اننا نجزم بانه منطقي.

جبال وتلال من المتغيرات و"التناقضات" مش بس في نفوسنا، لا كمان في الماده اللي محاصرانا...

حاولت انتحر. ولما فشلت، رجعت حطيت معايير وضوابط للعيشه التي بلا معنى ولا هدف. للتحرك في اقل حيز ممكن من الفراغ. توفيرا للفراغ. وتوفيرا للطاقه التي اهدرت على منصة الانتحار.
زمان الانبيا لما كان الكفار يسألوهم عايزين منا ايه، كانو يفحموهم بالرد  اللي في القرآن: لا اسألكم عليه من اجر، ان اجري إلا على الله. دلوقتي بعد ما الزمن جار على الايمان، وبقى منهج الاقليه، بقى الملحدين يبشروا المؤمنين... بس الحقيقة ان المرادي مفيش رد جاهز على "عايزين مننا ايه"
انا شخصيا، زي الاطفال، زي الطفل، عندي شغف بالحرية. الحرية والعدل. نفسي اشوف كل اسير بكسر قضبان سجنه. بيطلع يجري. وبيتعثر في جريه. لان ديه المرة الأولى. ف يبكي ويصرخ ويحلم بالقيود والقضبان من تاني. ساعتها يبقى اختياره. لو رجع وحط ايده في الكلابشات من جديد. بس انا رهاني ان ده مستحيل. اللي بيدوق الحرية مستحيل يفرط فيها. حتى لو عجزته وارهقته. حتى لو مكنش حلو، ومكنش معاه فلوس، ومكنش قوي.
الحرية ديه لو مكنتش حلوة وتستاهل، مكنتش النخب اختصت بيها نفسها. كنت هتلاقي النخبه تقولك لا خلي الفقرا هم اللي يبقوا احرار، احنا نمشي بالنظام والقوانين والدين. انما ديه ميزة مقتصرة على نسب محدودة من المجتمع.

ف بما اني طفل، وعنده هوس بالحريه، ف الطفل ده نفسه يشوف العالم بره السور. ومعندوش مشكله في تمرد ودم. واكتئاب. ومحاولات انتحار. بس ييجي اليوم اللي نشرب فيه كاس الفودكا من غير وغز الضمير. من غير احساس بالذنب.
الحلم مش تفاؤل. الحركة مش يقين بالوصول. الحلم ده تشكيل للدافع. والهدف هو طلاء كون غامض مكتوم بما يتواءم. المتدين لما بيقابل معضله فقهيه، بيدور على الشيخ اللي يقوله كلام يمشي على مزاجه. شوفتي مزاجه ده؟ هو ده الهدف. مزاجنا. طالما العالم غير مفهوم. يبقى نفهمه بمزاجنا. ونوصل منه على الاحلام اللي شوقنا ياخدنا ليها... هذا وحسب.

وانا هنا لا انازعك في حقيقة من الحقائق. كل ما في الامر: ان صورة الاله تزعجني في عالمك.... قد نقضي الف ليله سويا، نتحاكى عن الله، عن تصوراتنا الفلسفيه، وقدراته الخاصه، وميزاته الغير محدوده. ثم حين تنزل بنا نازلة، وندخل المحراب، ونسجد، نسجد لـ بابا. صورة الاب الاثرية المطبوعة في ذهن الطفل. على انه كائن مقتدر، يحمي ويُطعم ويوفر الدفئ. (هل لاحظتي من قبل، الشبه اللغوي بين الأب والرب؟).
انها سلبيه مفرطة. تلك التي تدفعنا للسجود امام مقتدر عليم. مالنا لا نواجه. مالنا لا نعترف بخيباتنا ثم نتحرك. مالنا لا نتخلص من اسر الطفولة حتى نصير بالغين. مالنا لا نندفع في ترويض العالم؟
ألا تحزنك الفجوة الشاسعه بين الشرق والغرب؟ اتعرفين ما المفتاح؟ الماديه واهدار البعد العاطفي (الطفولي) في الاشياء. (قد نستطرد فيما بعد في البحث وراء جدية هذا الجواب...)

على كل، رغم انني اجد صعوبه بالغه في تصديق ما اقول: لكن هناك ضفه اخرى وراء البحر... اذا سبحنا، وتلطمنا يمينا ويسارا وفي كل الاتجاهات، قد يردنا "العود الابدي" إلى نفس الضفه التي انطلقنا منها... خصوصا اذا اتبعنا سير العواطف والايمان، الذي "حشر" اوروبا بالكامل في قرون الظلام لعدة قرون... اما اذا سبحنا وتلطمنا كذلك، لكن بعقل حسي نقدي. يتفانى في التفنيد. فسنبلغ (اكرر انه من الصعب ايضا ان اصدق ما اقول) الضفه المقابله. سنقابل الملكوت. ملكوت الدنيا. سنتحكم في المادة والاشياء. ونصير احرارا وحسب.

انت صاحبة الشأن في ايمانك، وبخجل شديد، ادعوك اخيرا للتخلي عنه: لان الخسارة فادحة. وطاقاتك المهدورة على سجادة الصلاة يُمكن ان تُروض العالم. هذا، واؤكد انني، برغم كوني طفلا يعشق التحرر (والحرية،) ارى الصورة الكبيرة التي تتحدثين عنها. وافهم تماما، ان الانسانيه لم ولن تقتصر على رب نعبد. وان مصيبتنا في هذا العالم مذهله ومرعبه. ويتوجب علينا مجابهة الوسواس الذي يسلخ رؤوسنا من الداخل. الوسواس المسمى نفس. اما ما بدر مني من تبشير ودعوة ساذجه، فلا تنظري إليه إلا بعين واحده. وراقبي بالعين الاخرى عناوين خطاباتنا، التي تدور حول الايمان.
ما اقصده دون اللف في سجاليات جافه (كعادتي) انني اكثر من الكلام عن الايمان والكفر برغم تفاهة القضية بشكل عام، مقارنة بقضية الانسان الحقيقية، انني اكثر من هذا الكلام فقط لان المحل محلها. لاننا اصلا نتجادل حول الايمان والكفر.

انا كذلك سعيد بمعرفتك، غير انني لا احاول تفسيرك، لانني لم افهم نفسي بعد، ولا يتبين لي ان من لم يفهم ما هو مطروح بين يديه قد يقوى على فهم ما هو قاص. 


دمتم،