الأربعاء، 29 يوليو 2015

شيخوخة الخالق




الآن تعلم يا ابليس لم اورثت العالم للانسان ولم اورثه لك.

لان العالم قاس جدا على ان تتحمله مخلوقات النار...
ان آدم، ولانه طيني منحط، قد قبل!

ان الناس متسقون مع الألم، اكثر من اتساقهم مع انفسهم.
حين كنت انفخ روحي بآدم،
رأيت حزنا وعرقا كثيرين،
شممت بين فخذيه روائح نجسه كثيرة،
نغزته فتهشم تماما وتكسرت كل حبة فيه،
جزعت حينها، احسست بوخز الفشل!
فهالني وقوفه امامي...
كأنه خلق جديد، وبدا انه احب النغزة.
عرفت توا ان شهوته ستكون الوجع، وجفلت من اجله،
لكنني حينها، كما تعرف، كنت في ذروة الطموح،
كنت الهث وراء اثبات جدارتي بينكم،
فتحاملت عليه...
قلت لنفسي ان كل هذا لازم.

اترى ما الجديد هذه الأيام؟
صاروا يُحاسبون انفسهم... بل ويتهمون من يلومني بالكفر!
هؤلاء يسهل تماما تضليلهم،
خلاف ما كنت اتوقع.
لقد راعتهم زعقاتي وصيحاتي،
صاروا يتحاشون غضبي منذ صرخت بجدهم الكبير.

اظن انك لم تتصور بعد، لذا سأحكي لك الأمر...
أنا خلقت العالم.
أنا، يُفترض بي، طيب، احب الخير لابعد الحدود.
أنا خلقت المأساة.
أنا، خلقت آدم، ومننت عليه بخلقي.
ثم قذفت به إلى غياهب البؤس التي يحيا فيها منذئذ.
لكن احدا لم يلحظ ان "الطيب" قد خلق "بؤسا" يمُن به على مخاليقه.
لقد اثبتت الأيام ان المعرفة التي ذاقوها من الشجرة لم تكن وحدها تكفي.

صدقني يا عزيزي،
مازال هنالك اناس جاهزون لأن يزنونني ذهبا.
وهناك آخرون، احبهم اكثر،
يسفكون الدماء حتى يعلوا اسمي.

اتعرف،
اشعر احيانا بالخسه.
اتمنى ان اتراجع عن كل هذا.
ان اشطب على هذا العالم سطرا بعد سطر.
لكن قسمي الذي اقسمت امامك والملائكة يحول بيني وبين مرادي.

سيقول ابنائي، آلله المنهزم؟
لا لا هذا لا يصح...
فلينحسق البشر ابدا.
لن الوذ عنهم بعزتي وبجلالي.

فانا الفوق وهم التحت مهما كان.

الخميس، 23 يوليو 2015

نَبيُّ المَوتِ


رغم انفي، ولأني جبان، سوف ادفع ثمن الموت حياة ؛




لا رغبة لي خلا الموت... لذلك سأعيش حقيرا كما الصعاليك. سأتحلى بالدناءة حينما تحتم الظروف خُلقا. سأتذلل واتصاغر حين يُتاح لي الإباء. سأحني رأسي كي أمر بأقل عذابات ممكنه. حتى يكون الوصال بين نفسي القذرة ورغبتي الفجه في الانتهاء من ذلك كله.

لا عزاء لي سوى انني يوما من الأيام سوف أموت، سوف لن يُعنيني بعدها من أمر ذلك الكون كله شيئا. سوف لن آبه للمأساة ولن أُلح في طلب الفرحات. لأنني حينها لن اكون من الأساس. سأنمحي من الوجود. سوف لن يذكرني أحد لا بحسن ولا بسوء. حتى رُفاتي ستتحلل فلا تكون بقيمة ابدًا. اينعم، انما هذا هو عين ما أريد.
الانمحاء. ان يكون اقتفاء الاثر لي مُحالا، ان اذوب عن الوجود فلا يُقتاد إلي ضال. ولا يعثر عليَّ مهتد. فأنا عن هذا كله حينئذ احيد.

  ،


واتتني فكرات كُثر. وصار لزاما أن احكي ما تيسر منها

 أما الآن وإلى يوم توافيني المنية. فأنا ناظر بالاغلال تقمح عنقي إلى تحت. اعيش مذلولا مهانا، لا رغبة لي في علو قط. ومَن من بني البشر عليان؟ فما من عال إلا وهو في الأصل مُهان. يتمنى ان يكون اكيدًا ان يُهان مع بقية الخلق. فيذوب خشية الفناء سعيا في رذل الملذات. ثُم من اين لنا براحة البال وفي الحق نحن جاهلون عن كل ما يدور.

المادة التي تحيط بنا، غامضة، وفي غموضها عذابات وحسرات لا تحصى. فلولا الغموض، ولو أزيح الابهام وكف الوعظة عن الإيهام. لو عرفنا السِّر، ربما تجلت لنا الوقائع المؤلمة في حُلة مرضية، نقنع بها ونهنأ. لكن المادة تأبى ان تكشف لوعينا اي دلالة من الدلالات. مما يحيلنا إلى التساؤل العنيف القاسي، هل حقا هناك سر؟ وإن لم يكن؟ فماذا يكن؟

قالوا، الحياة متيعة، فعشها. لكن وما دمت لم اعرف بعد سببا للحياة، فلماذا لا انتحر؟ الجواب بسيط، وهو أنني قد روضت عبر السنين. هُزمت غير مرة فاهترأ باطني كالاسمال القذرة. وانتهجت الشك في كل امر كان. والنتيجة، انني صرت جبان اكثر من اللازم، جربت القفز إلى الطريق إملة الاندهاس في محرك سيارة مسرعة. فانتصبت على منصة الانتحار. واذ انا على وشك تشييع جثماني إلى اسفلت الطريق اسفل شمس الظهيرة التي ستجففه. إذا باطرافي تخمل، واذا بعقلي يبور ويتمنع على الفكرة، التي سرعان ما خفت رنينها في دماغي. وكأن الخوف قد قشر عني جلدي في تلك اللحظة. التي فارقت فيها الحياة، فارقت فيها الجرأة. فارقت منصة الموت، جبانا رعديدا. مؤلمة الحقيقة إذا اُعلم بها الانسان!

سيأتيني شيخ يحدثني في مغفرة الله، ويأتيني قس يحكي في محبة المسيح، ويأتي مترف يُلهيني بالملذات. فأقول بئس المثوى مثواكم، وان غنمتم، لأن مغانمكم لحوم شيطان دنس لا رغبة لي فيها ولا هدف.
،

سيأتيني الله في نومتي، ساستيقظ،
لأنني اود ان اراه رأي العين،
فينفر مني.

ولأني ما عدت أرى الله
ولأن الله ما عاد يباغتني بالظهور
كما كان فعله في القديم

فبسم الموت، الذي يُنهي ما بُدء، والذي يدرك الكل، أقول:
أيها الناس، إنني أنا النبي الجديد...
إنني أنا النبي الجديد. أقول هذا بصوت رنيم، لا اصرخ كمن اتى من الجحيم ولا ارتل بالقول الرخيم. وها أنا ذا اكرر نبأي السعيد، إنني الواقف امامكم... نبيكم الجديد.

أنا نبي الموت...
أنا نبي الموت إليكم يا خلق الله الهائمون على وجوهكم في الضراء، الساعون إلى طواحين الإلهاء عن الحق المقيم فوق رأس الواحد منكم كجبل يمكث على اطلال بحر. انما الموت ناظركم وانتم رغم لهاثكم منه ميتون
.

اعلم ان معلومي إليكم معلوم لديكم.
لكني اصرخ بلا فم، واكتب بلا قلم.
اذيع النبأ على لا مستمع.

فلينفق الواحد منكم حياته رجاء ميتة عاجلة. فلتزهق روحك إن كان من المستطاع. لا تُكابر ولا تُعاند، سيأكلك الندم والتحسر على حياتك الملعونة بالكآبة القاتمة. سيُقدر لك الخسائر، سوف تُذل وسوف تُهان. فلم؟

أما الواحد منكم الذي هو جبان. رغبان في الموت لكنه خوفان لا يجرؤ ان يجز عنقه بيديه. فليتذلل كي يأنس حتى تُدق رأسه بحذاء الموت الرهيب. فيفور عن هذا الوجود من بعدئذ ابدا. فلا يستاء ولا يستر إلى منتهى الأزمان.
وعدكم الذي جاء من قبلي محمد، بجنان عدن ابديه، وسألكم الذي سبقه يسوع الفضيلة ولم يتحذر موسى ان ينهاكم الرذيلة.
ولا اكذب أنا ولا ادعي أن الله شيئا أكيد، فلا اعدكم إلا بالفناء...
الذي هو عندهم كان وعيد.

لأنك إذا ما سألتني اليوم، أجيب: أن الموت عندي صار فوق الله...





تنويه: الرغبة في الموت، في العدم، رغبة وبائية نشيرة. فكما تأكل البذرة في خصيب التراب، سيأكل تمني الموت في رأسك من بعد اليوم. لأنك قرأت ما كُتب على هذا الحجر من ترانيم بسم الموت.