الثلاثاء، 26 يوليو 2016

ضيق شديد واختناق


ما كل هذا الضيق الذي يطبق صدري. لماذا خوى صدري من الانفاس. لماذا احتجز كل شئ ولم يبقى سوى الاختناق؟ المساحات الواسعه، المبهجه، صارت ضيقة اشد الضيق. اذرع الغرفه فلا احس إلا كانني مكبل، موثوق إلى قاع بئر من الهم واليأس، لا يُتاح لي فيه حراك، لشدة ما يضيق على المرء. كان، كأن كل شئ صار مكتوما فجأة. آذان الفجر الذي يرن في الفضاء، لم يعد له صدى. لم تتردد اصداء لهذا الصوت، على الاقل هذا ما شعرت به، لان هناك كبت رهيب. لان الفضاء تقلص ثماما وصار نتفة. نتفة تحاصرني وتضيق بي. فانا الان مكتوف ومكبل. يدياي مغلولتان. ورأسي مقموح. وعيناي مصموغتان، فلا حتى اتيح لهما ان ترمشان. بل كل شئ في ثبات، رغم حاجتي للحركة وشوقي اليها. رغم اني اضغط على صدري بكلتا يدياي عسى ان تنطلق الانفاس وتعود الحرارة للعالم، والاصباغ للمواد فتتلون. لكنها امانيي بعيده وسط هذا الخناق واليأس. فالكل هنا ساكن. قلبي ساكن ونبضي ساكن والعالم في توقف. حتى العقرب الممل الذي يدق. عقرب الساعة لا يدق. والغبار لا يُثار. والماء لا ينسكب من الاناء. والزجاج لا يتحطم وان ضُرب بمطرقة الفولاذ. وراسي جفاف وقحط.

كنت قد كتبت منذ ساعتين:
اننا بحاجة إلى شئ مستقل وجديد. بحاجة إلى طاحونة تدهس الامور جميعها فتسويها سواسية مطلقة. يكون الخير كالشر والفوز كالخسارة. حسنها يباح لنا ان ننام في سلام. لان السلام ينبعث من المساواة لا بين الخلق بل لين الخيارات المتاحة. وانت ان علمت انك اذا ما صيرت اليوم مخترعا فذا وتصدرت صورتك كل الامكنه، واقول وان صرت انت منقذ وملهم البشر من حولك بحق. هنا تذكر اني لا افترض ان يكون هذا اعتقدك بخصوص نفسك وحسب، لا بل اؤكد على ان افتراضي هنا يشمل ان تكون تلك الحقيقة، اي ان تكون انت المرء الذي افلتت منه عبارة او عبارتين انقذا العالم، وحفظا البشرية من الضياع. فمفاجئتي لك، ان وسواسك لن يترك حتى حينئذ. حتى حين تعتلي الجبال وتصير ملكا، او تعتلي النساء وتصير ايا ما تصير. سيبقى في راسك هذا الاكلان الذي لا تطفيه الحكة. ستبقى مشغول الفؤاد ومقهور الحال. سيبقى في وحدتك الف صوت يدب في راسك بحديث انت في غنى عنه، لان هذه هي الانسانيه. لان هذا الاضطراب وهذه النار التي تضرم في دماغك، وهذه المشاورات والسجالات الطويله التي تفني فيها لياليك، هذه الآراء والسرات والصيحات والبكاء الطويل الذي يستهلكك حتى يطلع عليك النهار. هذا كله هو انت. هذا منبته ذاتك وتركيبتك، عجينتك التي عُجنت منها تستجلب لك تلك الهموم الثقال. ولا علاقة للامر بحالتك، بمسكنك الضيق ولا بزوجتك القبيحه، ولا بوظيفتك التي خسرت. ان هذه الامور لا تعدو ان تكون تسويغا للنحيب الدائر في راسك، لكن الحقيقة القائمة على رؤوس الاشهاد، ان وسواسك قائم ما حييت. ان وسواسك لن ينطفئ إلا بتهشيم موطنه، اي بتهشيم راسك. حتى ينصرف عنها اللبس المرعب. حتى تذوب النبضات الكهربيه التي تاكل ساعات نومك فتؤرقك.


لكن عجبي الان وحيرتي: ما كل هذه الحرارة؟! انى لي... انني الان اتجمد من البرد القارس. ان عظمي يذوب من البرودة التي تاكله. ان لحمي ودمي يتجمدان، وها هما ذا ينقشان في العظم. فيئن العظم، الالواح والكتف. كل عظمي يئن لان الواح الثلج تزاحمه صلبة متينه، وكذلك حادة.

ومما كتبت من ذينك الساعتين كذا ان:
ان الكلمة حجام لما في النفس. انها تلجيم لكل شعور يبطنه الانسان. فما ان نطق حتى كُبت المعنى في قلبه وباح بظاهر المقال إلى الآخرين. كان المشاعر ثمرة، تُعصر عصرا فيخرج القول، الذي لا يكون كالثمرة. فلا بذرة فيه، اي لا امل. فلن يكون من بعد القول اي نتاج. من بعد النطق بالاحرف والنغمات والتقسيم والتنغيم ودوزنة اوتار الحنجرة. كل هذا لا ينتج سوى عصير. وهذا العصير لا يُنبت شيئ، قد يُشرب وقد يُستساغ لدى مستمع، لكنه لا يُحرك قلبولا يثير فضول، كما قد تفعل عاطفه. كما قد تفعل لمسة يد او نظرة
.

لذا نتالم. بلا اي مبالغة، لذا نتالم. فما المنا إلا كبت. وللكبت اشكال. اقساها ان نقول ما لا يفيد بما يجول في خواطرنا. فما يجول في الخاطر مُحال ان ينطق به. لان اللغه صنعه وحرفه، والعاطفة طاقة تفتك بالعروق والانسجه فتذيبها ولا يبقى منها إلا الجماد. فنظل نشتكي ونبكي ويتعالى النحيب. لان النحيب وحده اصدق الفي مرة من كل الكلام. لانه بديهي وفطري. وبسيط. بخلاف الكلام المرتب والمنمق. الفاسد.