الثلاثاء، 24 مايو 2016

خطاب بخصوص الأناركو-نهلزم.


الرفيقة هاجر/

تعرفين، انه حينما ستحل الاشتراكيه الاناركيه محل النظام الراسمالي العالمي، احادي القطب، المتوحش، تعرفين ان يومئذ، سينادي الجميع بعضهم البعض بـ"الرفيق"؟ ستختفي كلمة بيه وباشا. "حضرتك" و"سيدنا" و"صلعم"، القاب ستنمحي تماما من الآربان ديكشناري لذلك العصر، وتبقى في معاجم اللغه فقط، يقرأ عنها مدمنوا التاريخ المؤلم. نعم فحاضرنا هو تاريخهم المؤلم، هؤلاء الذين ورثوا العالم من بعد الثورة الكبيرة، العالميه. ومن بعد حرق المصاحف والسجلات وتحطيم كل الصلبان ودبابير الظباط.

الله قد مات، اعتذر لكي، فنحن الجيل العربي الاول الذي يعي تلك الحقيقة. مع ان جدنا، جدي وجدك، ابو العلاء، الذي سكن معرة النعمان، فسموه المعري، كان قد استوعب كامل الاستيعاب ان الله ميت، بل ومتحلل، تخيلي يا عزيزتي؟ ان الله في قبره مدفون، منذ قرون مضت...

انا احب ابو العلاء خصوصا، لانه دون فلاسفة القرن العشرين النهلستيين، جاء في زمان الصراع التافه والغريب حول خلق القرآن! فابدع! تأملي مثلا قوله: "اما الإله فأمرٌ لست مدركه... فاحذر لجيلك فوق الأرض إسخاطا."

دعنا من هذا كله، دعيني اؤكد لك، قبل اي شئ، ان الحريه ليست مخيفه إلى ذلك الحد... الحرية هي الانسانيه، الانسان قد يقتل، فيبقى انسانا، فيبقى كبقية الحيوانات التي تقتل لتاكل وتقتل لتحمي صغارها، لكن ويلة عصرنا، هي ان الانسان صار يُعذب، صار ساديا مقيتا، وصار كذلك مازوخيا، وهذا لانه مكبوت، ومحكوم...

لهذا، اعلمي، ان القيود وان بدت آمنه، تظل قيود... يقول سيوران: "لا تحبوا قيودكم وان امّنتكم على ارواحكم." واقول: "واكسروها وان سالت الدماء بكسرها..." لهذا مجد امل دنقل الشيطان الذي قال لا. هل تستوعبين الدرس؟  انها حكاية خبيثة، والظن ان الشرير الحقيقي هو من كتب تلك القصة عن ان الأبي المتمرد هو الملعون المطرود من الجنة! تخيلي معي ان مديرك في العمل، يأمرك بالسجود للموظفه الجديده التي "عينها" هو بذاته. اعرفك جيدا واعرف انك ستتمردين حينئذ، لكن إليكي المفاجأة: سيخز في نفسك بعض الالم بعد التمرد، سيؤدبك الضمير! وهذه هي اللعبه الرابحة التي لعبها مهندسوا الاديان، الكهنة والرهبان منذ آلاف السنين. استطيع ان ارى الكاهن الاصلع مرتديا اقمشته السوداء، يحكي بخبث إلى زميله، في ظل شموع مُضاءة باموال الفقراء، عن فكرة، ستحني رؤوس المحكومين للحكام أبد الدهر، عن قصة سيخترعونها، ويُنشئون الاطفال عليها، عن فكرة ستجعلنا نندم بعد كل تمرد، بعد كل صرخة للحق.

هل لاحظتي من قبل، ان الحسين، مولانا الشهيد، لا يُذكر ابدا، لا في السينما ولا في خطب المساجد! لان الكل يريدون يزيد، يريدون القاتل المسيطر ولا يحبذون ثائر كالحسين! لانهم خنازير، مبتذلون.

على كل، على كل حال، يعني في كل الاحول، (كما يغني زياد الرحباني الشيوعي في اغنيته "بما انو") علينا ان نتلقن الدرس جيدا، جيلنا بالتحديد، عليه ان يتحمل مسئولية. مسئولية الحرية واللاانتماء، لاننا اول من تسربت له تلك المعلومة، عبر الويب. فكل محاولات تنوير العقول في الساحة العربيه من قبل قد قوبلت بالرفض والعنف. قتلوهم يا عزيزتي كما قتلوا ابو العلاء وجاليليو.

وخلاصة ما كتبتي، انك تتنصلين من المسئولية، او تخافين منها، في حين ان ما يخيفني، وما اظن انه انكى بان يثير مخاوفك كذلك: هو الكذب والقمع الذي نعيش فيه. فكما يقول سيغموند فرويد: "من يترك المفتاح، لن يستطيع ابدا ان يفتح الباب". كيف نختار الظلام اذا؟ اتعرفين ما الذي جرى للمقيمين في كهف افلاطون، حين علموا ان ثمة اجسام ملونه في الخارج، لقد ركضوا، هربا من الظلال، وطمعا في الحياة والحيوية...

فلندفع ضريبة جيلنا كامله، حتى نسلم مفاتح قريتنا للجيل القادم واضحة، ليأتي الزمان الاخير، اليوتوبيا التي ستحرق الخنازير الذين يعيثون في كوكبنا فسادا.

نحن نقطتين، وامثالنا معنا نكون مجموعة ضئيلة من النقاط، امام هذا السواد والظلام العالمي المهيب. لكن اخبريني، لماذا لا نلعب دورنا؟ لماذا لا نكافح الفكرة، على الاقل في نفوسنا؟ نحن لا شئ وهذا معلوم، لكن كل شئ هنا لاشئ، فتعالي اذن ايها اللاشئ، تعالي نُصارع هذه اللاأشياء الاخرى حتى يبزغ الفجر على لاأشياء المستقبل.... الحياة غريبه ومضحكة، اليس كذلك؟

ملحوظة: احضري معك الكثير من الملابس الثقيلة ومعطف، فالجو هنا قارس البرودة. فالزنازين التي تعج بآلاف المحابيس، دافئة، واحيانا حارة خانقة، لانهم يتنفسون ويعرقون، ولأن لها جدران اسمنتيه سميكة. أما ارض الحرية فلا تزال مهجورة، ناهيك عن اننا هنا نعيش في الطل.

المخلص دائما،
عاصم.


خطاب الرفيقة (الأصلي): أنا لم اقتل الله خوفا على امي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخبرني عن رأيك...