الاثنين، 23 مايو 2016

فقراء، وحاقدين ايضا

   

   لكن لان الحقد حقنا، نحن الفقراء والضعفاء. انه حقنا الازلي، والذي لن نتنازل عنه، سنحقد، وسنبالغ في الحقد، حتى وان شرعوا الف عقوبة للحقد، الاعدام لن يخيفنا، وجهنم، وعيد الحاقدين، لن تصدنا عن الحقد الذي يأكل في قلوبنا. فما ميزتهم كي ينعموا ونتعذب؟ لماذا يتغنجون في الرغد ونفترش نحن التراب ونتلحف بالبرد؟ ما ميزة هذا الرجل السمين ذو الشارب الكث الذي يغطس في طعامه الشهي، اللحوم والاسماك، في هذا المطعم الفاخر في وسط بلدتنا. حتى كلبه، ينول من شهي الطعام نصيب! ثُم يتأففون منا، الفقراء الواقفون امام الباترينه، يحقدون، فقط ينظرون للطعام فيسيل لعابهم، لا يتقدمون خطوة ولا يستأخرون، لانهم ضعفاء ولان هزالهم يحول بينهم وبين ثورة، وبين تمرد، وبين تحطيم هذا الزجاج. فها نحن واقفون خلف الزجاج، فحتى ريح طعامه الشهي لا تصل لانوفنا... لكننا رغم ذلك لا نملك الطعام، فلذا، نحن واقفون، نُشاهد فمه يلوك المُضغة من اللحم ويحتسي اللذيذ من الشراب. ولا نتمنى لاننا نعلم اننا لن ننول، فقط ننظر، ونحقد ثم نصرخ في وجوه بعضنا البعض... وهذا الطفل الذي فقد ساقه، هذا الذي تحمله امه المريضة بسرطان الثدي، التي لا تجد مالا لتطعم ولدها، التي ترفض المستشفيات "الخيريه" علاجها، لان طليقها مسجل خطر، لانه تشاجر ذات مرة مع واحد من البهوات، مأمور احد الاقسام. هذا الطفل، الذي اخذته امه ليبحثا في صندوق النفايات عن بعض القوت، في وسط الشارع، وامام اعين اناس جاحدين. هذا الطفل الذي انشغلت عنه امه لوهله، فراح يلهو في الطريق، فمد يده إلى كلب السيد السمين، يُداعبه مثل اي طفل. فنهره سيدنا المتجه إلى المطعم الفاخر القابع في وسط بلدتنا، لان كلب سيدنا، اهم من طفل برئ، اقصد انظف، والطفل، هذا الطفل يداه متسختان بالقذارة... قذارة من تلك؟ هذا السؤال يجيبنا عنه جارسونات المطعم الفاخر القابع في.. لا يهم اين يقبع، المهم انهم هم من يكبون بالنفايات إلى هذا الميدان... يجمعون بقايا طعام السيد السمين، سيدنا، طعامه وطعام كلبه وطعام زوجته، وطعام بنيه واحباءه (ذكرنا الكلب قبل الزوجة والابنا بغرض الاهانة لان حقدا يحرق قلوبنا) ثم يُلقون به إلى قارعة الطريق. والنية من وراء ذلك حسنة بريئة. خل معي، ما النيه؟ النية والغرض، اطعام المساكين، لكن بشكل يليق بالمساكين. "فلا احد يقدم الطعام لحيوان ضال عند عتبة بيته، بل يلقي بالطعام إلى قارعة الطريق، فتفتش عنه الحيوانات الذليله"-مثل روسي، بتصرف.

  هل فهمت الدرس بعد؟ هل فهمت لماذا نكرههم؟ ولماذا نحقد؟ ولماذا لا نرضى؟ لانه لا تبرير للحال، ولانهم ليسوا افضل بكثير. انهم فقط محظوظون. ونحن... نحن العاهره، والنقاش، وعامل السباكه، ورجل النظافه المسن الذي يتكئ على مقشته فيسقط للطريق، فيصرخون فيه، اتم عملك والا لا نعطيك اجرا، ونترك ابناءك وزوجتك للجوع يتضورون! نحن عاملة النظافة في تلك الجامعه، التي تُنظف حمامات يستخدمها ذكور ذوي بطون منتفخة، واناث ذوي ملابس خليعه. نحن العجز والخيبه وقلة الحيله. نحن من لا يهتم الاغنياء لمآسيهم، حين يعرضون اعلانات المجتمعات العمرانيه الجديده في التلفاز. نحن الجهل الذي يشمئزون منه! نحن الوساخة والقذارة في قاع ذلك المجتمع. ونحن هنا في القاع، لانهم يضغطوننا إليه بشده، لانهم يقفون منتصبين باحذيتهم، وبكعوب زوجاتهم تنغرس في رقابنا. خدم وحشم لهم. نحن الخادمة التي ضربتها ربة البيت حين تحرش بها ابنها. نحن مكتوف الايدي الذي يبيع لك المناديل في حر كوبري الجامعه. هل احكي لك المزيد؟ عن فقرنا وقلة حيلتنا؟ ام يكفيك ان اقول لك اننا نحقد، وان الحقد حيلتنا الوحيده، فتدعني وشأني، ولا تدعوني بسم الصليب ان اهدأ. واتركني لحالي... رجاء اتركني لحالي. فقط اعطني قرشين، حتى اشتري الغداء، فالجوع مؤلم، اكثر من الذل واكثر من اي شئ. فقط اعطني قرشين...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اخبرني عن رأيك...